تطور نموذج الذرة

تطور نموذج الذرة

المقدمه:
الــــذَّرَّة إحدى الوحدات الأساسية لبناء المادة. فكل شيء حولنا مكون من ذرَّات. والذرَّة الواحدة بالغة الصِّغر، فهي لاتتعدى واحدًا على مليون من سُمْك شعرة . وتحتوي أصغر عيِّنة يمكن رؤيتها بمجهر عادي على ما يزيد على عشرة بلايين ذرة. وتكوّن الذرات القوالب البنائية لأبسط المواد، وهي العناصر الكيميائية. وتشمل العناصر الشائعة : الهيدروجين والأكسجين والحديد والرصاص. ويتكون كل عنصر كيميائي من نوع أساسي واحد من الذرّات. أما المركَّبات الكيميائية، فهي مواد أكثر تعقيدًا من حيث تركيبها الكيميائي؛ إذ تتألف من نوعين أو أكثر من الذرّات مرتبط بعضها ببعض في وحدات تُسمَّى الجزيئات. فالماء، على سبيل المثال، مركب يتكون كل جزيء منه من ذرتين من الهيدروجين مرتبطتين بذرة واحدة من الأكسجين.
العرض:
تتفاوت الذرات كثيرًا في الوزن، ولكنها جميعًا تتساوى تقريبًا في الحجم. فذرّة اليورانيوم، على سبيل المثال، وهي أثقل الذرّات الموجودة في الطبيعة، يبلغ وزنها مائتي ضعف وزن ذرّة الهيدروجين الذي يُعدُّ أخف العناصر المعروفة حتى الآن. ومع ذلك فإن قطر ذرّة اليورانيوم لا يتعدى ثلاثة أمثال قطر ذرّة الهيدروجين تقريبًا.
وبالرغم من أن الذرّات تُعدُّ من أدق الأشياء في العالم إلا أنها تُعدُّ أيضًا من أعظمها قوة، فبداخلها كمية هائلة من الطاقة الكامنة. وقد استطاع العلماء تسخير هذه الطاقة في إنتاج أسلحة الدمار البالغة التأثير كما استطاعوا أيضًا الاستفادة منها في توليد الكهرباء.
أجزاء الذرّة
بالرغم من ضآلة الذرّة إلا أنها تتكون من جُسيمات أكثر صغرًا منها. والجسيمات الثلاثة الأساسية هي: البُروتونات، والنيوترونات، والإلكترونات. ولكل ذرة عدد محدد من هذه الجُسيمات تحت الذرية.
تزدحم البروتونات والنيوترونات داخل النواة، وهي منطقة بالغة الصغر في مركز الذرة. فلو كان قطر ذرة الهيدروجين ستة كيلومترات، على سبيل المثال، فإن النواة لا يتعدى حجمها حجم كرة المضرب العادية. وما يتبقى من حجم الذرة خارج النواة هو في أغلبه فضاء فارغ. وفي هذا الفضاء، تدور الإلكترونات حول النواة بسرعة بالغة تقطع بها بلايين الرحلات في كل جزء من المليون جزء من الثانية.
وبسبب سرعة الإلكترونات البالغة، تبدو الذرّة وكأنها جامدة، وذلك بنفس المبدأ الذي يمنع مرور قلم رصاص خلال أنصال مروحة تدور بسرعة عالية.
وكثيرًا ما تقارَن الذرّات بالنظام الشمسي، فتُعتبر النواة مناظرة للشمس، والإلكترونات مناظرة للكواكب التي تدور حولها. لكن هذه المقارنة ليست صحيحة على إطلاقها. فعلى عكس الكواكب، لا تتبع االإلكترونات مسارات منتظمة مرتبة. بالإضافة إلى أن البروتونات دائمة التحرك عشوائيًا داخل النواة.
النواة. تشكِّل النواة تقريبًا كل كتلة الذرة. والكتلة هي كمية المادة في ذرة. وتبلغ كتلة البروتون 1,836 ضعف كتلة الإلكترون. وكذلك من 1,839 إلكترونًا نحصل على كتلة النيوترون. ويحمل كل بروتون وحدة واحدة من وحدات الشحنة الموجبة، بينما يحمل الإلكترون وحدة واحدة من وحدات الشحنة السالبة. أما النيوترونات فهي غير مشحونة. وتحتوي الذرّة في أغلب الأحوال على نفس العدد من البروتونات والإلكترونات، وبالتالي فالذرّة متعادلة كهربائيًا.
البروتونات والنيوترونات أصغر بـ 100,000 مرة تقريبًا مقارنة بوزن الذرة، ولكنها تتألف بدورها من جُسيمات أكثر صغرًا يسمى كل منها كوارك. ويتكون كل بروتون وكل نيوترون من ثلاثة من جسيمات الكوارك. ويستطيع العلماء في المختبر جعل جسيمات الكوارك تتجمع وتكوّن أنواعًا أخرى من الجسيمات تحت الذرية بجانب البروتونات والنيوترونات. ولكن كل هذه الجسيمات الأخرى تتفكك وتتحول إلى جُسيمات عادية في غضون ثانية واحدة. ولهذا فلا يوجد أي منها في الذرات العادية. وقد عرف العلماء أن البروتونات والنيوترونات تتكون من جسيمات الكوارك من خلال دراستهم للجسيمات تحت الذرية. وللحصول على معلومات عن الجسيمات تحت الذرية الأخرى.
الإلكترونات. على عكس البروتونات والنيوترونات فإن الإلكترونات لا تحتوي على جُسيمات أصغر. وكتلة الإلكترون بالغة الصغر. وتُكتب قيمة هذه الكتلة بالجرامات، بوضع علامة عشرية يتبعها 27 صفرًا ثم رقم 9.
ونظرًا لأن الشحنات المتضادة تتجاذب، فإن النواة الموجبة الشحنة تعمل بقوة جذب على الإلكترونات السالبة الشحنة، مما يؤدي إلى بقاء هذه الإلكترونات داخل الذرة. لكن لكل إلكترون طاقة تمكنه من مقاومة جذب النواة. وكلما ازدادت طاقة الإلكترون ازداد بُعده عن النواة. وهكذا تنتظم الإلكترونات في مدارات على مسافات مختلفة من النواة حسب مقدار طاقة كل منها. فتوجد الإلكترونات الأقل طاقة في المدارات الداخلية، بينما توجد الإلكترونات الأكثر طاقة في المدارات الخارجية.
ويعطي العلماء لكل مدار إلكتروني رقمًا خاصًا به. فالمدار الأقرب إلى النواة يُسمَّى بالمدار رقم 1. وترقم المدارات الأخرى 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 حسب الترتيب التصاعدي لبعدها عن النواة. ويشار إلى المدارات في بعض الأحيان بالحروف الهجائية. ويوجد على كل مدار عدد محدود من الإلكترونات، فلا يستطيع المدار الأول الاحتفاظ بأكثر من إلكترونين. ويستطيع المدار الثاني الاحتفاظ بثمانية إلكترونات والثالث بثمانية عشر إلكترونًا، والرابع باثنين وثلاثين إلكترونًا، والخامس بخمسين إلكترونًا، والسادس باثنين وسبعين إلكترونًا، والسابع بثمانية وتسعين إلكترونًا. غير أن هذه المدارات الخارجية لا يكتمل بها عدد الإلكترونات مطلقًا.
خواص الذرّات
العدد الذرّي. وهو يبين لنا عدد البروتونات التي تحتوي عليها الذرة. فعلى سبيل المثال، تحتوي كل ذرة هيدروجين على بروتون واحد، ولهذا، فإن العدد الذرّي للهيدروجين 1. ويتدرج العدد الذري للعناصر الطبيعية الأخرى تصاعديا حتى يصل إلى 92 لليورانيوم، الذي يحتوي على 92 بروتونًا في كل ذرة من ذراته. وتتكون كذلك كميات ضئيلة من البلوتونيوم، الذي يبلغ عدده الذري 94، بصورة طبيعية. ويمكن إيجاد العناصر التي يزيد عددها الذري على 92 في المختبر.
يحدد العدد الذري ترتيب العنصر في الجدول الدوري. وينظم هذا الجدول العناصر المختلفة في مجموعات تتشابه في خواصها الكيميائية. للاطلاع على هذا الجدول.
العدد الكتلي. هو حاصل جمع عدد البروتونات وعدد النيوترونات في ذرة. وبالرغم من أن كل الذرات في عنصر ما لها نفس عدد البروتونات، إلا أنها قد تختلف في عدد النيوترونات. ويطلق على الذرات التي لها نفس عدد البروتونات وتختلف في عدد النيوترونات اسم النظائر.
وأغلب العناصر الموجودة في الطبيعة لها أكثر من نظير فالهيدروجين، على سبيل المثال، له ثلاثة نظائر. وتتكون النواة في أكثر نظائر الهيدروجين شيوعًا من بروتون واحد فقط. بينما تتكون النواة في النظيرين الآخرين من نيوترون واحد أو نيوترونين بالإضافة إلى البروتون. ويستخدم العلماء العدد الكتلي للتمييز بين نظائر الهيدروجين الثلاثة لتصبح هيدروجين 1، هيدروجين 2، هيدروجين 3. كما يُسمون الهيدروجين 1 بروتيوم، وهيدروجين 2 ديوتريوم، وهيدروجين 3 ترِيتْيوم.
وفي أغلب العناصر الأخف، تحتوي نواة كل ذرّة علي عدد متساوٍ من البروتونات والنيوترونات. بينما تحتوي نوى العناصر الأثقل على عدد من النيوترونات أكبر من عدد البروتونات. أما أثقل العناصر فبها نحو ثلاثة نيوترونات لكل اثنين من البروتونات. فاليورانيوم 238، مثلاً، به 146 نيوترونًا مقابل 92 بروتونًا في كل ذرة.
الوزن الذري.
هو وزن الذرّة معبَّرًا عنه بوحدات الكتلة الذرية. وتعادل وحدة الكتلة الذرية التي تُسمى أحيانًا دالتون 1/12 من وزن ذرة الكربون 12. ويكون الوزن الذرّي لأغلب الذرات مُعَبَّرًا عنه بالدالتون قريبًا جدًا من العدد الكتلي. ووحدات الكتلة الذرية بالغة الصغر فهناك 602 بليون ترِليون دالتون في كل جرام.
ويُعيِّن العلماء الوزن الذري لعنصر متعدد النظائر بإيجاد متوسط الأوزان الذرية لهذه النظائر بنسب وجودها في الطبيعة. فيبلغ الوزن الذري لغاز الكلور، على سبيل المثال، 35,453 دالتون. وهذه القيمة هي متوسط الوزن الذري للنظيرين كلور 35 (وزنه الذري 34,96885) وكلور 37 (وزنه الذري 36,96590) حسب نسبة كل منهما في الطبيعة.
الشحنة الكهربائية. رغم أن الذرة تكون عادة متعادلة كهربائيًا، إلا أنها قد تفقد أو تكتسب قليلاً من الإلكترونات في بعض التفاعلات الكيميائية أو عند اصطدامها بإلكترون أو بذرّة أخرى. وينتج عن هذا الفقد أو الاكتساب ذرة مشحونة كهربائيًا تُسمَّى بالأيون، وتصبح الذرة التي فقدت إلكترونات أيونًا موجبًا بينما تصبح الذرة التي اكتسبت إلكترونات أيونًا سالبًا. وتُسمَّى عملية الفقد أو الاكتساب هذه التأين.
السلوك الكيميائي.
يتحدد السلوك الكيميائي لذرة ما إلى حد بعيد بعدد الإلكترونات الموجودة في مدارها الخارجي. وعندما تتجمع الذرات لتكوِّن جزيئات، فإن الإلكترونات في المدارات الخارجية إما أن تنتقل من ذرة إلى أخرى أو تشارك فيها الذرات المختلفة. ويُعبَّر عن عدد الإلكترونات الداخلة في هذه العملية بالتكافؤ. ولذرات بعض العناصر أكثر من تكافؤ. ويعتمد ذلك على عدد ونوع الذرات التي سيتم التفاعل معها.
ويكون تكافؤ الذرة موجبًا إذا كانت تميل لفقد إلكترونات لذرات أخرى. بينما يكون التكافؤ سالبًا إذا مالت الذرة إلى اكتساب إلكترونات من ذرات أخرى. فالصوديوم، على سبيل المثال، يميل لفقد إلكترون واحد وهكذا يصبح تكافؤه + 1. أما الكلور، فيميل لاكتساب إلكترون واحد وبهذا يصبح تكافؤه - 1.
ويتكون جزيء ملح المائدة العادي من ذرة صوديوم واحدة مرتبطة بذرة كلور واحدة. وتعطي ذرة الصوديوم الإلكترون الذي تكتسبه ذرة الكلور. النشاط الإشعاعي.
تستطيع النواة في بعض الذرّات أن تتغير بصورة طبيعية. وتُسمَّى مثل هذه الذرات نشطة إشعاعيًا. وقد يكون التَغيُّر في النواة قاصرًا فقط على تغير في ترتيب البروتونات والنيوترونات. وفي حالات أخرى، يتغير العدد الفعلي للبروتونات والنيوترونات. وعندما تتغير نواة فإنها تعطي إشعاعًا. ويتكون هذا الإشعاع من جُسَيمْات ألفا أو جُسيمات بيتا أو أشعة جاما. وذرات اليورانيوم والراديوم وكل العناصر الأخرى الأثقل من البزموت نشطة إشعاعيًا. كذلك، لبعض نظائر العناصر الأخف كالكربون نشاط إشعاعي. وبالإضافة إلى ذلك، يستطيع علماء الطبيعة تكوين نظائر مشعة لكل العناصر تقريبًا في المختبر وذلك بإطلاق بروتونات أو نيوترونات أو جُسَيمات تحت ذرية على ذرات هذه العناصر .
ويعتمد نوع الإشعاع المنبعث من نواة نشيطة إشعاعيًا على طريقة تغيُّر النواة. فتنبعث أشعة جاما عندما يتغير فقط ترتيب البروتونات والنيوترونات في النواة. بينما تنبعث أشعة ألفا وبيتا عندما يتغير عدد البروتونات والنيوترونات في النواة، وتصبح الذرة حينئذ ذرة عنصر مغاير. تُسمَّى هذه العملية بتحول العناصر أو الانحلال الإشعاعي.
القوى داخل الذرّة
يتناول فرع الفيزياء المسمَّى بالميكانيكا الكمية مسألة القوى داخل الذرة وحركة الجسيمات تحت الذرية. وقد افُتتحت الدراسة في هذا الفرع من فروع الفيزياء في عام 1913م عندما استخدم عالم الفيزياء الدنماركي نيلز بور نظرية الكم لشرح حركة الإلكترونات داخل الذرات. وقام علماء فيزياء آخرون بتطوير ميكانيكا الكم، وطبقوا مبادئها على النواة والإلكترونات.
مستويات طاقة الإلكترونات. حسب نظرية ميكانيكا الكم، لا تستطيع الإلكترونات أن تحصل علي أي كمية مفترضة من الطاقة. بدلاً من ذلك، فإن الإلكترونات مقيَّدة بمجموعة من الحركات كل منها مرتبط بقيمة محدَّدة من الطاقة. تُسمَّى هذه الحركات بالحالات الكمية أو مستويات الطاقة. فعندما يكون إلكترون في حالة كمية معينة، فإنه لا يمتص ولا يعطي طاقة. ولهذا السبب، فإن الذرة تستطيع أن تكتسب أو تفقد طاقة فقط عندما يغيِّر واحد أو أكثر من إلكتروناتها من حالته الكمية.
وكما يبحث الماء دائمًا عن أقل مستوى ممكن، فإن الإلكترونات تبحث دائمًا عن الحالة المرتبطة بأقل طاقة. ومع ذلك، فإن أي حالة كمية لا يمكن أن تُشغل إلا بإلكترون واحد فقط. فعندما تمتلئ الحالات الكمية الأكثر انخفاضًا، فإن باقي الإلكترونات تُجبر على الانتقال لتشغل حالات كمية أعلى. فإذا كانت جميع الإلكترونات في أقل الحالات انخفاضًا فيُقال حينئذ: إن الذرة في الحالة الأرضية. وهذه الحالة طبيعية للذرات عند درجة الحرارة العادية.
إذا سُخِّنت المادة إلى درجات حرارة أعلى من بضع مئات من الدرجات، تتوفر طاقة كافية لرفع إلكترون أو أكثر إلى مستوى طاقة أعلى. وتصبح الذرة حينئذ في حالة إثارة. ومع ذلك، فنادرًا ما تبقى هذه الذرة في حالة الإثارة لأكثر من جزء من الثانية. يسقط الإلكترون المثار فورًا إلى حالة أكثر انخفاضًا ويستمر في السقوط حتى تعود الذرة إلى الحالة الأرضية. وعند كل سقوط، يعطي الإلكترون قدرًا محددًا من الطاقة الإشعاعية المركزة يسمى بالفوتون. وتساوي طاقة الفوتون الفرق بين مستويين للطاقة. ويمكن كشف الفوتونات التي تعطيها الإلكترونات كضوء مرئي وكصور أخرى للإشعاع الكهرومغنطيسي.
وقد شبّه بور، في بادئ الأمر، الحالات الكمية للإلكترونات بمدارات الكواكب حول الشمس. لكن علماء الطبيعة اليوم يعلمون أن هذا التشبيه غير صحيح؛ لأن الإلكترون ليس مجرد جسم بسيط. فللإلكترون أيضًا بعض خواص الموجات. وإنه حقًا لمن الصعب أن نتخيل كيف يكون شيء ما جُسَيْمًا وموجةً في الوقت نفسه. وتمثل هذه الصعوبة إحدى المشاكل التي واجهت العلماء وهم يحاولون وصف الذرة لغير العلماء. فللقيام بذلك، ينبغي أن يستخدم العلماء أفكارًا مألوفة مبنية على معرفتنا بالعالم الذي نلاحظه. لكن الظروف داخل الذرة الدقيقة تختلف كثيرًا جدًا عن الظروف التي نقابلها في عالم كل يوم. ولهذا السبب، يستطيع علماء الفيزياء وصف حركات الإلكترونات تمامًا وبدقة فقط باستخدام الرياضيات.
القوى داخل النواة.
تنطبق القواعد الكمية التي تحكم حركة الإلكترونات أيضًا على حركة البروتونات والنيوترونات داخل النواة. لكن القوة التي تحافظ على جسيمات النواة معًا تختلف كثيرًا عن قوة الجذب التي تمسك بالإلكترونات داخل الذرة.فكل جُسَيْم نووي ينجذب إلى أقرب جار له بما يُسمَّى بالقوة النووية أو ما يُسمَّى في بعض الأحيان بالتفاعل القويّ. ومن المعروف أن الشحنات المتماثلة تتنافر، لكن القوى النووية العظيمة تتغلب على التنافر المتبادل بين البروتونات موجبة الشحنة، وهكذا تحافظ على النواة من التفكك. وتتلاشى هذه القوة بسرعة مالم تكن جُسَيمات النواة شديدة التقارب فيما بينها. والإلكترونات محصَّنة ضد القوة النووية.
والقوة النووية بالغة التعقيد، ولم يستطع العلماء بعد التوصل إلى وصف رياضي دقيق لها. وهناك نظرية تُعْرف بالنموذج المداري النووي تعطي تقديرات سليمة لمستويات الطاقة في النواة.
ويستطيع بروتون واحد ونيوترون واحد أن يشغلا كل حالة كمية في النواة. ولهذا السبب فإن النواة الحقيقية يكون بها عدد متساو تقريبًا من البروتونات والنيوترونات. لكن البروتون والنيوترون الموجودان في نفس الحالة الكمية لا تتساوى كمية الطاقة الخاصة بكل منهما بالضرورة. ويُطْرد كل بروتون كهربائيًا بوساطة باقي البروتونات في النواة مما يزيد من طاقته.
ويكون الاختلاف في مستويات الطاقة بين البروتونات محسوسًا في النواة متعددة البروتونات، كما تتوافر بها حالات طاقة منخفضة للنيوترونات أكثر مما تتوافر فيها للبروتونات. وتفسر هذه الحقيقة لماذا تحتوي النواة الثقيلة على عدد من النيوترونات يفوق عدد البروتونات.
كيف يدرس العلماء الذرات
يستخدم العلماء أجهزة قياس وتقنيات متعددة لدراسة الذرات. وتعتمد الأجهزة والطرق المستخدمة على نوعية الدراسة، وهل هي دراسة للذرات نفسها، أو للإلكترونات، أو للجُسيمات النووية أو لجسيمات الكوارك.
ويستخدم الباحثون الأشعة السينية لدراسة ترتيب الذرات في الأنماط العادية المتكررة كما في البلّورات. فعندما تمر الأشعة السينية خلال بلورة، فإن الذرات تكسر الأشعة السينية بطريقة معينة. تنتج هذه الأشعة المنكسرة أنماطًا ضوئية على فيلم فوتوغرافي تحكي مدى تباعد الذرات بعضها عن بعض، وكيف تنتظم داخل البلورة. وتمكِّن المجاهر الإلكترونية الماسحة والمجاهر الخندقية الماسحة وكذلك مجاهر انبعاث المجال العلماء من ملاحظة أوضاع الذرات المفردة.
ويدرس العلماء حركة الإلكترونات أساسًا بوساطة تحليل الضوء المنبعث من ذرات الغازات المسخَّنة. ويُستخدم المطياف (مقياس الطيف) لتحليل الضوء إلى طَيْف. وهو يعطي خطًا منفصلاً لكل طول موجي من الضوء. ويرتبط كل طول موجي مع فَرْق الطاقة بين حالتين من الحالات الكمية في الذرة. وبعد تعيين الأطوال الموجية، يستطيع العلماء رسم بيان كامل عن مستويات الطاقة. ويستطيعون كذلك، بمساعدة الميكانيكا الكمية، الحصول على وصف لحركات الإلكترون داخل الذرة.
وقد تم التوصل إلى معظم ما يعرفه العلماء اليوم عن تكوين النواة بوساطة التجارب التي أجريت باستخدام معجِّلات الجُسَيمات. تقوم هذه المعجِّلات بقذف النواة بشعاع من الإلكترونات أو البروتونات عالية الطاقة. وتستطيع البروتونات أو الإلكترونات المتحركة بسرعة التأثير في حركة الجسيمات في النواة، بل تستطيع في بعض الأحيان إطلاق سراحها. ويمكن في بعض التجارب، تحريك نواة بأكملها وجعلها تصطدم بنواة ساكنة أخرى. وقد تمكن علماء الفيزياء النووية من تطوير أنواع متعددة من الكواشف لملاحظة الجُسيمات التي تنطلق نتيجة لهذه التصادمات. ويقوم أغلب هذه الكواشف بإنتاج إشارة كهربائية عندما يمر خلالها جُسَيْم.
تطور النظرية الذرية:
لقد نشأت فكرة تكوُّن كل شيء من أجزاء بسيطة صغيرة خلال القرن الخامس قبل الميلاد في نطاق الفلسفة الذرية. وقد قدم هذه الفلسفة الفيلسوف الإغريقي ليوسيبّوس. وقام تلميذه ديموقريطس بتطويرها بصورة أكمل. وأعطى ديموقريطس الجُسيم الأولي الاسم ذرة الذي يعني غير قابل للقطع. وقد تخيل الذرات كجسيمات صلبة صغيرة مركبة من نفس المادة، لكنها تختلف عن بعضها في الشكل والحجم. وقد أدخل العالم الإغريقي أبيقور في القرن الرابع قبل الميلاد أفكار ديموقريطس في فلسفته. وفي حوالي عام 50 ق.م. قدم الفيلسوف والشاعر الروماني لوكريشيس المباديء الأساسية للفلسفة الذرية في قصيدته: "عن طبيعة الأشياء".
وفي العصور الوسطى حدث تجاهل تام لفكرة الذرات. وقد نتج هذا التجاهل بسبب رفض أرسطو، وهو أحد فلاسفة الإغريق، لهذه الفكرة حيث سادت فيه نظرياته مجالات الفلسفة والعلم في العصور الوسطى. لكن فكرة كون الذرات هي وحدات البناء الأساسية لكل المواد عاشت وانتعشت في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين نتيجة لاعتناق مؤسسي العلم الحديث، أمثال فرانسيس بيكون وإسحق نيوتن من إنجلترا، وكذلك جاليليو من إيطاليا، لها. ولكنهم لم يضيفوا شيئًا يُذكر إلى النظرية الذرية التي وصفها ديموقريطس.
ميلاد النظرية الذرية الحديثة.
في عام 1750م خرج العالم رودجر بُسْكوفتْش اليوغوسلافي المولد بفكرة مؤداها أن ديموقريطس ربما يكون قد أخطأ بتصوره أن الذرة غير قابلة للتفتت. واعتقد بُسْكوفتش أن الذرة تحتوي على أجزاء أصغر وهذه بدورها تحتوي أيضًا على أجزاء أصغر وأصغر وهكذا حتى وحدات البناء الأساسية للمادة. وشعر أن وحدات البناء هذه لابد أن تكون نقاطًا هندسية بلاحجم على الإطلاق. واليوم يعتنق أغلب علماء الذرة صورة حديثة لفكر بُسْكوفتش.
حدث تقدم سريع في تطوير النظرية الذرية عندما أصبحت الكيمياء علمًا دقيقًا خلال أواخر القرن الثامن عشر. فقد اكتشف علماء الكيمياء أنه من الممكن تجميع العناصر لتكوين مركَّبات، وذلك بنسب محدَّدة مبنية على كتلة أي من هذه العناصر. وتمكن العالم البريطاني جون دالتون في عام 1803م من تطوير نظرية ذرية تفسر هذا الاكتشاف. فقد اقترح دالتون أن كل عنصر يتكون من نوع خاص من الذرات وأن اختلاف خواص العناصر ينجم عن اختلاف ذراتها. وذهب إلى أبعد من ذلك فقال: إن ذرات كل عنصر متماثلة تمامًا في الحجم والشكل والكتلة.
وتبعًا لنظرية دالتون، فإن الذرات، عندما تتجمع لتكوِّن مركَّبًا معيَّنًا، تتجمع دائمًا وفق نسب عددية محدَّدة. وعلى هذا يصبح تركيب كتلة من مركب معين هو نفسه على الدوام.
الأوصاف الأولى للتركيب الذري. في عام 1897م، اكتشف عالم الفيزياء البريطاني جوزيف طومسون أن الذرات قابلة للتفتت. وقد توصل إلى اكتشافه هذا عندما كان يدرس الأشعة التي تنتقل بين الألواح المعدنية في صمام مفرغ. وقرر أن هذه الأشعة تتكون من جُسيمات خفيفة الوزن سالبة الشحنة. وبهذا يكون قد اكتشف الإلكترونات. وتبين طومسون على الفور أن الإلكترونات لابد أن تكون جزءًا من الذرة. واقترح نموذجًا للذرة تنغمس فيه الإلكترونات سالبة الشحنة في كرة موجبة الشحنة. وبالرغم من أن وصف طومسون كان بعيدًا كل البعد عن الوصف الصحيح للذرة، فإن عمله شجَّع علماء آخرين على بحث هيكل الذرة.
في عام 1911م قدَّم عالم الفيزياء البريطاني إرنِسْت رَذَرْفورد نظريته عن تكوين الذرة. فقد أعلن رذرفورد، وهو أحد تلاميذ طومسون السابقين، أن كل وزن الذرة تقريبًا مركَّزٌ في نواة دقيقة الحجم، وأن هذه النواة محاطة بإلكترونات تنتقل بسرعات بالغة الكبر خلال المنطقة الخارجية للذرة.
وقد بنى رذرفورد نظريته على نتائج التجارب التي قام فيها بقذف شرائح رقيقة من الذهب بجسيمات ألفا. فقد نفذت أغلب الجُسيمات من الشرائح، مما بين أن ذرات الذهب لابد أن تكون مكونة أساسًا من فضاء فارغ. لكن بعض الجُسيمات ارتدت كما لو كانت قد اصطدمت بشيء صلب. واستخلص رذرفورد من ذلك أن هذه الجُسيمات المرتدة انعكست بفعل قوة عظيمة من النواة الصغيرة الثقيلة لذرة من ذرات الذهب.
ولم تبين نظرية رذرفورد كيفية ترتيب الإلكترونات في الذرات. وفي عام 1913م اقترح العالم الدنماركي نيلز بور، الذي كان قد سبق له العمل مع رذرفورد، وصفًا لذلك. افترض بور أن الإلكترونات تنتقل فقط في مجموعة محدَّدة من المدارات حول النواة. ولم يكن افتراض بور الأوَّلي هذا مناسبًا، ولكن كثيرًا من الأفكار خلف هذا الافتراض ثبتت صحتها.
وفي عام 1924م رأى العالم الفرنسي لوي دي بروجلي أن للإلكترونات خواص الموجات. وفي 1928م تم الحصول على وصف سليم لترتيب الإلكترونات بمساعدة علماء فيزياء آخرين وخصوصًا وولفجانج باولي وإيرفين شرودينجر النمساويين وماكس بورن وفرنر هيسينبرج الألمانيين.
دراسة النواة.
بالرغم من أن علماء الفيزياء (الطبيعة) فهموا حركة الإلكترونات بحلول عام 1928م، إلا أن النواة ظلت غامضة إلى حد كبير. وقد تم تشخيص البروتونات في عام 1902م. واعتقد رذرفورد في عام 1914م أن البروتونات لابد أن تكون جزءًا من النواة. وتبيَّن العلماء أن النواة لا يمكن أن تكون مكونة من بروتونات فقط. وفي 1932م اكتشف عالم الفيزياء البريطاني جيمس تشادْويك أن النواة تحتوي أيضًا على جُسيمات غير مشحونة سُمِّيت بالنيوترونات. كذلك طوّر العلماء في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين معجِّلات للجُسيمات قادرة على إنتاج طاقات عالية بدرجة كافية لدراسة النواة.
لم يتوقع رواد الفيزياء النووية أن يروا في وقت قصير تطبيقًا علمياً لما لديهم من معرفة. لكن الباحثين اكتشفوا في عام 1938م أن قذف نواة ذرة اليورانيوم بنيوترون يسبب انشطارها إلى جزءين وإطلاق طاقة. وأطلقوا على هذه العملية الانشطار النووي. وجاء هذا الاكتشاف قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939م بشهور قليلة، واستُخدم الانشطار النووي في القنابل النووية التي ساعدت على وضع نهاية لهذه الحرب في عام 1945م.
وقد جعل تطوير الأسلحة النووية الحكومات تقف على أهمية تطوير الفيزياء النووية. نتيجة لهذا، رُصدت مبالغ طائلة من الأموال للأبحاث النووية بعد الحرب. كما كانت الاستخدامات السلمية للانشطار النووي محل اهتمام متزايد. ففي الخمسينيات من القرن العشرين، بدأ تشغيل أول محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية بتحويل الطاقة الحرارية التي تنتج من الانشطار النووي للنظير يورانيوم 235.
لكن سباق التسلح كان في الواقع السبب الرئيسي وراء الاهتمام البالغ بالأبحاث النووية. ففي أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، بدأ العلماء في تطوير القنبلة الهيدروجينية. وتختلف في فكرتها عن القنبلة الذرية، فهي تعتمد على اتحاد ذرات الهيدروجين. وعملية اتحاد الذرات هي الفاعلة في إنتاج الحرارة والضوء في الشمس والنجوم الأخرى. وهي عملية من الصعب التحكم فيها. ولو كان في استطاعة العلماء التحكم في عملية اتحاد الذرات لاستطاعوا إنتاج طاقة حرارية أرخص كثيرًا من تلك التي تنتج من الانشطار النووي نظرًا لتوفر غاز الهيدروجين.
وبعيدًا عن سباق التسلح، فإن الدراسة الأكاديمية للفيزياء النووية، وإنشاء معجِّلات الجسيمات متزايدة الحجم والطاقة أدَّت إلى زيادة معرفتنا بتفاصيل النواة.
وقد تبين العلماء أن البروتون والنيوترون لا يمكن أن يكونا مجرد جُسيمات بسيطة. ووجدوا أيضًا أن النيوترون غير خال من الشحنات الكهربائية. بل تبينوا أنه يحتوي على كميات متساوية من الشحنات الموجبة والسالبة. كما اكتشف الباحثون مئات من الجسيمات الجديدة متشابهة جدًا، وكذلك للبروتونات والنيوترونات مما قاد لفكرة أن كل الجسيمات النووية مكونة من تنظيمات مختلفة لقليل من الأجزاء الصغيرة.
اكتشافات حديثة.
بحلول عام 1964م، توصل الباحثون إلى قرائن تدل على ماهية الأجزاء الأساسية المكونة للبروتونات والنيوترونات والجُسيمات النووية الأخرى. فقد طرح عالما الفيزياء الأمريكيان موراي جل ـ مان وجورج زفايج نظرية تصف هذه الأجزاء. وسمَّى جل ـ مان هذه الأجزاء بجسيمات الكوارك. وبيَّن علماء الفيزياء في عام 1971م أن هذه الجسيمات أصغر كثيرًا من البروتونات والنيوترونات.
الخاتمة:
وقد قاد نجاح نظرية الكوارك إلى تقدم سريع في الفيزياء تحت الذرية. وظل صعبًا التوصل إلى وصف دقيق للقوة بين البروتونات والنيوترونات نظرًا لشدة تعقيد هذه الجُسيمات، ومع ذلك، فإن القوة التي تحتفظ بجسيمات الكوارك معًا أصبحت مفهومة تمامًا مما سيساعد علماء الفيزياء مستقبلاً في فهم القوة النووية. ويبقى السؤال ما إذا كانت جسيمات الكوارك هي وحدات البناء الأساسية النهائية للذرات. كثير من الأبحاث مخصص للإجابة عن هذا السؤال.


المزيد حول الموضوع

الربح من الفايسبوك والانستغرام باختصاار الروابط